```html
916 - آثار الالتزام هي أحكام الالتزام : الالتزام متى نشأ صحيحاً ترتبت عليه آثاره . وهذه الآثار هي الأحكام التي تنطبق على الالتزام منذ نشوئه إلى انقضائه . وأول هذه الأحكام وجوب تنفيذه . فإذا نفذ اختياراً فقد انقضى بالوفاء . وإذا لم ينفذ اختياراً وجب تنفيذه جبراً . والتنفيذ الجبري إما أن يكون عينياً أو بطريق التعويض . وهو في الحالتين مضمون بوسائل خاصة تكفل للدائن الوصول إلى حقه .
917 – خطة البحث : فنبحث إذن آثار الالتزام في الفصول الثلاثة الآتية :
918 – النصوص القانونية : تنص المادة 199من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
" 1 – ينفذ الالتزام جبراً على المدين .
2 – ومع ذلك إذا كان الالتزام طبيعياً فلا جبر في تنفيذه " .
وتنص المادة 203على ما يأتي :
" 1 – يجبر المدين بعد إعذاره طبقاً للمادتين 219و220على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً متى كان ذلك ممكناً .
2 – على أنه إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين جاز له أن يقتصر على دفع تعويض نقدي إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً " .
وقد أورد القانون الجديد إلى جانب هذه النصوص العامة نصوصاً أخرى تعتبر تطبيقاً لها في بعض الالتزامات .
ففي الالتزام بنقل ملكية أو حق عيني آخر ، نصت المادة 204على ما يأتي :
" الالتزام بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر ينقل من تلقاء نفسه هذا الحق ، إذا كان محل الالتزام شيئاً معيناً بالذات يملكه الملتزم ، وذلك دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل " .
ونصت المادة 205على ما يأتي :
" 1 – إذا ورد الالتزام بنقل حق عيني على شئ لم يعين إلا بنوعه فلا ينتقل الحق إلا بإفراز هذا الشيء .
2 – فإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه ، جاز للدائن أن يحصل على شئ من هذا النوع على نفقة المدين بعد استئذان القاضي أو دون استئذانه في حالة الاستعجال ، كما يجوز له أن يطالب بقيمة الشيء من غير إخلال في الحالتين بحقه في التعويض " .
وفي الالتزام بعمل ، نصت المادة 209على ما يأتي :
" 1 – في الالتزام بعمل ، إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه ، جاز للدائن أن يطلب ترخيصاً من القضاء في تنفيذ الالتزام على نفقة المدين إذا كان هذا التنفيذ ممكناً .
2 – ويجوز في حالة الاستعجال أن ينفذ الدائن الالتزام على نفقة المدين دون ترخيص من القضاء " .
ونصت المادة 210على ما يأتي :
" في الالتزام بعمل يقوم حكم القاضي مقام التنفيذ ، إذا سمحت بذلك طبيعة الالتزام " .
ونصت المادة 211على ما يأتي :
" 1 – في الالتزام بعمل ، إذا كان المطلوب من المدين هو أن يحافظ على الشيء أو أن يقوم بإدارته أو أن يتوخى الحيطة في تنفيذ التزامه فإن المدين يكون قد وفي بالالتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي ، ولو لم يتحقق الغرض المقصود . هذا ما لم ينص القانون أو الاتفاق على غير ذلك .
2 – وفي كل حال يبقي المدين مسئولاً عما يأتيه من غش أو خطأ جسيم " .
ونصت المادة 212على ما يأتي :
" إذا التزم المدين بالامتناع عن عمل وأخل بهذا الالتزام ، جاز للدائن أن يطلب إزالة ما وقع مخالفاً للالتزام . وله أن يطلب من القضاء ترخيصاً في أن يقوم بهذه الإزالة على نفقة المدين " .
ونصت المادة 213على ما يأتي :
" 1 – إذا كان تنفيذ الالتزام عيناً غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه ، جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ وبدفع غرامة تهديدية إن امتنع عن ذلك .
2 – وإذا رأي القاضي أن مقدار الغرامة ليس كافياً لإكراه المدين الممتنع عن التنفيذ ، جاز له أن يزيد في الغرامة كلما رأي داعياً للزيادة " .
ونصت المادة 214على ما يأتي :
" إذا تم التنفيذ العيني أو أصر المدين على رفض التنفيذ ، حدد القاضي مقدار التعويض الذي يلزم به المدين مراعياً في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن والعنت الذي بدا من المدين " .
919 – التزام المدين بتنفيذ ما التزم به عيناً : وقد أشرنا إلى أن الالتزام متى نشأ صحيحاً وجب تنفيذه . وتنفذ الالتزام معناه أن يقوم المدين بأداء عين ما التزم به . فمن التزم أن ينقل ملكية عين معينة بالذات أو حقاً عينياً آخر عليها ، أو أن يسلم شيئاً ، أو أن يقوم بعمل ، أو أن يمتنع عن عمل ، يجب عليه أن يقوم بتنفيذ عين ما التزم به ، فلا يبرأ من التزامه إلا بهذا التنفيذ العيني . وهذا ما يسمي بالوفاء ( paiement ) . وقد قدمنا أن الالتزام إذا نفذ اختياراً انقضى بالوفاء .
فإذا لم يقم المدين بالتنفيذ العيني مختاراً ، أجبر على هذا التنفيذ ما دام ممكناً . وهذا ما يسمي بالتنفيذ الجبري . والأصل فيه أن يكون عينياً ، ولا يصار إلى التنفيذ بطريق التعويض إلا إذا استحال التنفيذ العيني ، أو طلبه الدائن بدلاً من التنفيذ العيني ولم يعترض المدين ، أو طلبه المدين وكان في التنفيذ العيني إرهاق له ولم يلحق بالدائن ضرر جسيم من عدم التنفيذ العيني .
ونبحث الآن التنفيذ العيني الجبري . فنرى متى يكون واجباً ، وكيف يتم .
920 – القاعدة العامة : القاعدة العامة في ذلك أن التنفيذ العيني واجب ، ما دام ممكناً ، وما دام الدائن يطلبه ، وما دام المدين لم يطلب أن يستعيض عنه بتعويض نقدي لسبب مقبول .
فشروط وجوب التنفيذ العيني إذن أربعة : ( 1 ) أن يكون التنفيذ العيني ممكناً . ( 2 ) وأن يطلبه الدائن أو يتقدم به المدين . ( 3 ) وألا يكون في التنفيذ العيني إرهاق للمدين ، أو يكون فيه إرهاق ولكن يلحق بالدائن ضرر جسيم إذا لم يتم التنفيذ العيني . ( 4 ) وألا يكون في التنفيذ العيني مساس بحرية المدين الشخصية .
921 - الاستحالة المادية والاستحالة القانونية : إذا استحال على المدين تنفيذ الالتزام عيناً سقط هذا الالتزام ، ولا يتصور بعد ذلك أن يجبر المدين على تنفيذه ، إذ لا تكليف بمستحيل . وقد قدمنا أن الاستحالة التي ينقضي بها الالتزام هي الاستحالة التي ترجع إلى سبب أجنبي . أما إذا كانت الاستحالة ترجع إلى خطأ المدين ، فإن الالتزام لا ينقضي ، بل يتحول إلى تعويض .
والاستحالة قد تكون مادية . وقد تكون قانونية . وقد فصلنا القول في ذلك عند الكلام في محل الالتزام . فإذا التزم شخص بنقل ملكية شيء معين بالذات وهلك هذا الشيء في يده بقوة قاهرة ، أصبح التزامه مستحيلاً استحالة مادية . وإذا التزم شخص بعمل معين وأصبح هذا العمل محظوراً بحكم القانون ، كان التزامه مستحيلاً استحالة قانونية . وفي الحالتين لا يمكن إجبار المدين على التنفيذ العيني .
922 - القاعدة العامة : حتى لو كان التنفيذ العيني ممكناً ، فلا بد من أن يطلبه الدائن . فإن هو لم يطلبه ، واقتصر على طلب التعويض ، فليس للقاضي أن يحكم بالتنفيذ العيني من تلقاء نفسه . ولا يجوز للمدين في هذه الحالة أن يتمسك بالتنفيذ العيني إلا إذا كان له مصلحة في ذلك . أما إذا لم تكن للمدين مصلحة في التنفيذ العيني ، ولم يتمسك به ، فإن القاضي يحكم بالتعويض الذي طلبه الدائن .
923 – نظرية قريبة من نظرية الحوادث الطارئة : وقد يقع أن يكون التنفيذ العيني ممكناً ، ولكن يترتب عليه إرهاق للمدين . ففي هذه الحالة يجوز للمدين أن يقتصر على دفع تعويض نقدي ، على شرط ألا يلحق بالدائن ضرر جسيم من عدم التنفيذ العيني .
ونرى من ذلك أن القانون الجديد قد استحدث حكماً لم يكن له نظير في القانون القديم . وهو حكم مستمد من الفقه الألماني ، وله تطبيقات تشريعية في بعض التقنينات الحديثة . وهو يعتبر تطبيقاً خاصاً لمبدأ عام ، هو مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق ، فالدائن الذي يطلب التنفيذ العيني في وقت أصبح فيه مرهقاً للمدين ، ولا يصيبه ضرر جسيم من عدم التنفيذ العيني ، يكون متعسفاً في استعمال حقه .
924 – إذا كان تدخل المدين شخصياً ضرورياً في التنفيذ العيني : وقد يكون التنفيذ العيني ممكناً ولا يطلبه الدائن ، ولكن لا يمكن الحصول على هذا التنفيذ العيني إلا إذا قام به المدين نفسه ، ولا يمكن إكراه المدين على القيام به دون أن يكون في هذا الإكراه مساس بحريته الشخصية . مثل ذلك فنان تعهد أن يرسم صورة أو أن يمثل في رواية أو أن يغني في حفلة ، فلا يمكن إجباره على القيام بذلك . كذلك الطبيب والمحامي والمهندس ، وكل من تعهد أن يقوم بعمل فني . كذلك المدين يلتزم بعمل لا يمكن أن يقوم به غيره ، أو يمكن أن يقوم به غيره ولكن لا على الوجه الذي يرضي الدائن ، ففي كل هذه الأحوال لا يمكن إجبار المدين على تنفيذ التزامه عيناً .
وإذا كان القانون المدني الجديد لم يورد نصاً صريحاً في هذه القاعدة ، فذلك لأنه اعتبرها نتيجة منطقية لمبادئ القانون الطبيعي التي تقضي باحترام الحرية الشخصية للإنسان . على أنه عالج المسألة من طريق آخر ، فأورد نصاً يبيح التهديد المالي لإكراه المدين على تنفيذ التزامه عيناً ، وهو التزام لا يمكن أن يقوم به إلا المدين نفسه ، كما سنرى بعد قليل .
925 – وجوب التمييز بين أنواع الالتزامات : تختلف طريقة التنفيذ العيني باختلاف محل الالتزام . فقد يكون المحل نقل ملكية أو حق عيني آخر ، أو القيام بعمل ، أو الامتناع عن عمل .
926 – التمييز بين العقار والمنقول : وقد رأينا فيما قدمناه النصوص القانونية التي تتعلق بهذا النوع من الالتزامات ( م 204و205 ) . ويخلص منها أنه يجب التمييز بين العقار والمنقول .
أ – العقار :
927 – الملكية في العقار لا تنتقل إلا بالتسجيل : التزام البائع بنقل ملكية العقار المبيع التزام يعمل . وهذا العمل هو القيام بما هو ضروري لنقل الملكية ، وأهم ذلك هو تسجيل عقد البيع . فإذا امتنع البائع عن القيام بهذا العمل ، أجبر على ذلك . ويحصل المشتري على حكم بصحة البيع ونفاذه ، فإذا سجل الحكم انتقلت إليه الملكية . وهنا يكون الحكم قد قام مقام التنفيذ العيني ، على غرار ما تقضي به المادة 210من أنه " في الالتزام بعمل يقوم حكم القاضي مقام التنفيذ ، إذا سمحت بذلك طبيعة الالتزام " .
ب – المنقول :
928 – التمييز بين المنقول المعين بالذات والمنقول المعين بالنوع : ويجب في المنقول التمييز بين ما إذا كان معيناً بالذات أو كان معيناً بالنوع .
929 – المنقول المعين بالذات : إذا كان المنقول معيناً بالذات ، وكانت ملكيته لم تنتقل بعد إلى الدائن ، فإنها تنتقل بمجرد نشوء الالتزام بنقلها . وهذا ما تنص عليه صراحة المادة 204وقد سبق ذكرها . ويترتب على ذلك أن التزام البائع بنقل ملكية منقول معين بالذات ينفذ من تلقاء نفسه بمجرد نشوئه ، ولا يتصور فيه التنفيذ العيني الجبري . وإذا امتنع البائع عن تسليم الشيء المبيع ، فإن المشتري يستطيع أن يجبره على هذا التسليم ، لا باعتبار أنه تنفيذ عيني لالتزام بنقل الملكية فقد تم تنفيذه ، بل باعتبار أن التسليم التزام مستقل عن الالتزام بنقل الملكية ، وهو التزام بعمل يتم تنفيذه عيناً على النحو الذي سنبينه فيما يلي .
930 – المنقول المعين بالنوع : أما إذا كان المنقول لم يعين إلا بنوعه ، فإن ملكيته لا تنتقل إلا بإفراز الشيء . وهذا ما تنص عليه صراحة الفقرة الأولي من المادة 205 . فالتزام البائع بنقل ملكية المنقول المعين بالنوع هو التزام بعمل ، وهذا العمل هو إفراز الشيء . فإذا لم يقم المدين بإفراز الشيء لم تنتقل الملكية ، ويجوز للدائن أن يحصل على شيء من هذا النوع على نفقة المدين ، بعد استئذان القاضي أو دون استئذانه في حالة الاستعجال . وهذا هو ما تنص عليه صراحة الفقرة الثانية من المادة 205 .
ولا بد من إعذار المدين أولاً قبل الالتجاء إلى هذا الطريق ، وبعد الإعذار يجوز للدائن الحصول على الشيء من السوق على نفقة المدين . ولا حاجة إلى حكم قضائي يجيز ذلك ، بل يصح أن يحصل الدائن على الشيء بنفسه دون أن يلتجئ إلى القضاء . وهو بعد أن يحصل على الشيء يرجع على المدين بثمنه ، وبالفرق ما بين هذا الثمن وثمن الشيء في العقد ، وبسائر الأضرار التي أصابته من جراء عدم التنفيذ .
وإذا أراد الدائن ، بدلاً من أن يحصل على الشيء بنفسه على نفقة المدين ، أن يرجع على المدين بقيمة الشيء ، فإن النص يجيز له ذلك . ويكون بذلك قد طالب بتعويض نقدي بدلاً من التنفيذ العيني ، وهذا جائز ما دام المدين لم يعترض على ذلك وله مصلحة في عدم الاعتراض .
ولا شيء يمنع من أن يطالب الدائن بتنفيذ التزام المدين عيناً ، بأن يطلب من القضاء أن يجبر المدين على إفراز الشيء وتسليمه . وإذا كان المدين لا يجبر على ذلك بالقوة الجبرية لما في ذلك من المساس بحريته الشخصية ، فإنه يمكن إجباره بالتهديد المالي كما سنرى .
931 – التنفيذ على نفقة المدين : إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه بعمل ، جاز للدائن أن يطلب من القاضي ترخيصاً في أن يقوم بتنفيذ الالتزام على نفقة المدين ، إذا كان ذلك ممكناً . وإذا كانت هناك حالة استعجال ، جاز للدائن أن يقوم بذلك دون ترخيص من القضاء . وهذا ما تنص عليه المادة 209 .
والتنفيذ على نفقة المدين لا يمكن إلا إذا كان الالتزام بعمل لا تتصل بتنفيذه شخصية المدين . فإذا التزم مقاول بإقامة بناء أو بإصلاحه ، ولم يقم بالتزامه ، جاز للدائن أن يحصل على ترخيص من القضاء في أن يعهد إلى مقاول آخر بالقيام بهذا العمل على نفقة المقاول الأول . أما إذا كانت شخصية المدين محل اعتبار في الالتزام ، فلا يمكن التنفيذ على نفقته ، بل يصار إلى التهديد المالي كما سنرى .
والقاضي له سلطة تقديرية في أن يرخص للدائن بالتنفيذ على نفقة المدين أو لا يرخص له . فقد لا يرخص له ، ويكتفي بالحكم بالتعويض ، إذا رأى أن التنفيذ على نفقة المدين فيه عنت أو إرهاق . وإذا رخص له ، جاز للدائن أن يستأدي من المدين مقدماً المصروفات التي يقتضيها التنفيذ .
ويجوز للدائن أن يستغني عن الترخيص من القضاء إذا كانت هناك حالة استعجال . ويترك تقدير حالة الاستعجال للقاضي .
932 – حكم القاضي يقوم مقام التنفيذ : إذا كان محل الالتزام بعمل يمكن أن يقوم حكم القاضي فيه مقام التنفيذ ، قام الحكم مقام التنفيذ فعلاً . وقد رأينا تطبيقاً لذلك في نقل الملكية العقارية . ونرى تطبيقاً آخر في الوعد بالتعاقد ، فقد نصت المادة 102على أن الواعد إذا نكل عن تنفيذ وعده قام الحكم ضده مقام العقد .
933 – إزالة ما وقع مخالفاً للالتزام : إذا أخل المدين بالتزامه بالامتناع عن عمل ، جاز للدائن أن يطلب إزالة ما وقع مخالفاً للالتزام . فإذا تعهد شخص ألا يقيم بناء ، أو ألا يفتح محلاً تجارياً في جهة معينة ، فأقام البناء أو فتح المحل ، جاز للدائن أن يطلب هدم البناء أو إقفال المحل . وهذا هو التنفيذ العيني .
وإذا كان التنفيذ العيني يقتضي تدخلاً من المدين ، كما في هدم البناء ، فإذا امتنع المدين عن التنفيذ ، جاز للدائن أن يحصل على ترخيص من القضاء في أن يقوم هو بالإزالة على نفقة المدين . وهذا ما تنص عليه المادة 212 . وليس للقاضي سلطة تقديرية في ذلك ، بل هو ملزم أن يرخص للدائن . أما إذا كان التنفيذ العيني لا يقتضي تدخلاً من المدين ، كما في إقفال المحل ، فإن الحكم القضائي يكون كافياً ، وتقوم السلطة العامة بتنفيذه .
934 – وسيلة غير مباشرة للإجبار على التنفيذ العيني : وقد رأينا أن هناك التزامات بعمل لا يمكن أن يقوم بها إلا المدين نفسه . فإذا امتنع المدين عن تنفيذها ، لم يجز إجباره على ذلك بالقوة المادية . ولكن يمكن إجباره بوسيلة غير مباشرة ، هي التهديد المالي . والتهديد المالي هو أن يحكم القاضي على المدين بغرامة تهديدية ، عن كل يوم أو أسبوع أو شهر أو أية وحدة زمنية أخرى يتأخر فيها المدين عن تنفيذ التزامه . والغرامة تتراكم على هذا النحو ، حتى يجد المدين أن من مصلحته تنفيذ الالتزام بدلاً من أن يترك الغرامة تتراكم عليه .
والتهديد المالي ، وإن لم يرد به نص في القانون المدني القديم ، فقد استقر الفقه والقضاء في مصر وفي فرنسا على الأخذ به . وقد أخذ به القانون المدني الجديد في المادتين 213و214 .
935 – شروط التهديد المالي : ويشترط في التهديد المالي شرطان :
936 – الحكم بالتهديد المالي : فإذا توافر الشرطان المتقدمان ، جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بالتنفيذ العيني وبالتهديد المالي معاً . والحكم بالتهديد المالي لا يكون إلا بناء على طلب الدائن . وللقاضي سلطة تقديرية في أن يحكم به أو لا يحكم . وهو يراعي في ذلك تعنت المدين ، ومدى أهمية التنفيذ العيني للدائن ، وما يصيب المدين من ضرر إذا قام بالتنفيذ العيني . وإذا حكم القاضي بالتهديد المالي ، فإنه يقدر مبلغ الغرامة تقديراً تحكمياً ، ولا يراعي في ذلك مقدار الضرر الذي يصيب الدائن من عدم التنفيذ .
937 – تصفية التهديد المالي : فإذا قام المدين بالتنفيذ العيني ، أو أصر على عدم التنفيذ ، أو مات قبل التنفيذ ، وجب تصفية التهديد المالي . ويرجع الأمر في ذلك إلى القاضي ، فينظر إلى الضرر الذي أصاب الدائن من جراء عدم التنفيذ أو التأخر فيه ، وإلى مدى تعنت المدين ، ويحكم بتعويض نهائي لا يتقيد فيه بمقدار الغرامة . وقد يزيد عليه أو ينقص منه أو يساويه .
938 – التعويض جزاء عدم تنفيذ الالتزام : وقد قدمنا أن الأصل هو التنفيذ العيني . ولكن قد يصبح التنفيذ العيني غير ممكن ، أو غير مجد للدائن ، أو لا يطلبه الدائن ويوافق المدين على ذلك ، أو يطلبه المدين بدلاً من التنفيذ العيني المرهق ، أو لا يمكن الحصول عليه إلا بالمساس بحرية المدين الشخصية . ففي كل هذه الأحوال يصار إلى التنفيذ بطريق التعويض ، ويقوم التعويض مقام التنفيذ العيني . وهو الجزاء الذي يترتب على قيام المسئولية العقدية في ذمة المدين .
وقد سبق أن فصلنا أركان المسئولية العقدية . وننتقل الآن إلى آثارها ، وهي التعويض . ونبحث : ( 1 ) متى يستحق التعويض . ( 2 ) كيف يقدر التعويض . ( 3 ) الاتفاق على تعديل أحكام المسئولية العقدية .
939 – النصوص القانونية : تنص المادة 218من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
" لا يستحق التعويض إلا بعد إعذار المدين ، ما لم ينص على غير ذلك " .
وتنص المادة 219على ما يأتي :
" يكون إعذار المدين بإنذاره أو بما يقوم مقام الإنذار ، ويجوز أن يتم الإعذار عن طريق البريد على الوجه المبين في قانون المرافعات ، كما يجوز أن يكون مترتباً على اتفاق يقضي بأن يكون المدين معذراً بمجرد حلول الأجل دون حاجة إلى أي إجراء آخر " .
وتنص المادة 220على ما يأتي :
" لا ضرورة لإعذار المدين في الحالات الآتية :
940 – القاعدة العامة : وجوب إعذار المدين : الأصل إذن أن التعويض لا يستحق إلا بعد إعذar المدين . والحكمة في ذلك أن مجرد حلول أجل الدين لا يكفي دليلاً على أن المدين قد تأخر في الوفاء ، فقد يكون الدائن قد تسامح في هذا التأخير . فلا بد من أن يطالبه الدائن بالوفاء حتى يسجل عليه التأخير ، وهذه المطالبة هي الإعذar .
ويترتب على الإعذار النتائج الآتية :
941 – كيف يكون الإعذار : يكون الإعذار بإنذار رسمي على يد محضر ، أو بكتاب موصي عليه مع علم الوصول ، أو بأية ورقة رسمية أخرى تدل على أن الدائن يطالب المدين بالوفاء . ويجوز أن يكون الإعذار مترتباً على اتفاق بين الدائن والمدين .
942 – الحالات التي لا ضرورة فيها للإعذار : هناك حالات لا ضرورة فيها لإعذار المدين ، إما لأن الإعذار غير ممكن ، أو لأنه غير مجد ، أو لأن هناك نصاً في القانون أو اتفاقاً بين الطرفين يقضي بذلك .
943 – أنواع ثلاثة في تقدير التعويض : الأصل في تقدير التعويض أن يكون تقديراً قضائياً ، فيترك للقاضي تقدير مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن . ولكن يجوز أن يتفق الطرفان على تقدير التعويض مقدماً ، فيكون التقدير اتفاقياً ، وهذا هو الشرط الجزائي . وقد يكون القانون هو الذي قدر التعويض ، فيكون التقدير قانونياً ، وهذا هو الحال في الفوائد القانونية .
944 – النصوص القانونية : وقد سبق أن أوردنا هذه النصوص في المسئولية التقصيرية ، وبينا هناك أن القانون لم يميز في تقدير التعويض بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية ، فالقواعد التي تنطبق هنا هي ذات القواعد التي تنطبق هناك ، إلا فيما يتعلق بالضرر غير المتوقع .
فالتعويض يقدره القاضي ، ويشمل ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب ، بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام . ويشمل التعويض الضرر الأدبي . ولكن يقتصر على الضرر المتوقع في المسئولية العقدية ، ما لم يكن هناك غش أو خطأ جسيم من المدين .
945 – ما هو الشرط الجزائي : الشرط الجزائي هو اتفاق يقدر فيه المتعاقدان مقدماً التعويض الذي يستحقه الدائن إذا لم ينفذ المدين التزامه أو تأخر في تنفيذه . ويصح أن يرد في العقد الأصلي أو في اتفاق لاحق .
946 – شروط استحقاق الشرط الجزائي : يشترط لاستحقاق الشرط الجزائي أن يكون هناك إخلال بالتزام عقدي ، وأن يلحق الدائن ضرر من جراء هذا الإخلال ، وأن يعذر الدائن المدين .
947 – سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي : نصت الفقرة الثانية من المادة 224على أنه " يجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة ، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه " . ونصت الفقرة الثالثة على أن " ويقع باطلاً كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين " .
948 – لا يجوز للقاضي أن يزيد في مقدار الشرط الجزائي : وإذا كان للقاضي أن ينقص من مقدار الشرط الجزائي ، فإنه لا يجوز له أن يزيد فيه ، حتى لو كان الضرر الذي أصاب الدائن يزيد على هذا المقدار .
949 – الفوائد نوعان : إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود ، وتأخر المدين في الوفاء به ، فإنه يكون ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخير فوائد . وهذه الفوائد إما أن يكون سعرها مقدراً في القانون ، وإما أن يكون مقدراً في اتفاق .
950 – الفوائد القانونية : إذا لم يكن سعر الفائدة مقدراً في اتفاق ، فإنه يكون 4في المائة في المسائل المدنية و5في المائة في المسائل التجارية ( م 226 ) .
951 – الفوائد الاتفاقية : ويجوز للمتعاقدين أن يتفقا على سعر آخر للفائدة ، سواء كان ذلك في مقابل تأجيل الوفاء أو في حالة التأخير ، على ألا يزيد هذا السعر على 7في المائة ( م 227 ) .
952 – قواعد مشتركة بين الفائدتين القانونية والاتفاقية : وتسري الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها ، ما لم يحدد الاتفاق أو العرف التجاري تاريخاً آخر ( م 228 ) . ولا يجوز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ، ولا يجوز أن يكون مجموع الفوائد أكثر من رأس المال ( م 232 ) .
955 – وسائل التنفيذ ووسائل الضمان : إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه ، سواء كان التنفيذ عينياً أو بطريق التعويض ، كان للدائن أن يلجأ إلى التنفيذ الجبري على مال المدين . ولكن قبل أن يلجأ الدائن إلى التنفيذ الجبري ، قد يري أن هناك خطراً يهدد حقه ، فيلجأ إلى وسائل تحفظ له هذا الحق . وهذه هي وسائل الضمان .
956 – الضمان العام للدائنين : أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه . وجميع الدائنين متساوون في هذا الضمان ، إلا من كان له منهم حق التقدم طبقاً للقانون ( م 234 ) .
957 – وسائل المحافظة على الضمان العام : وهناك وسائل تحفظ للدائن هذا الضمان العام . وهي :
958 – وسائل الحصول على ضمان خاص : وقد لا يكتفي الدائن بالضمان العام ، فيلجأ إلى الحصول على ضمان خاص . وهذا الضمان الخاص إما أن يكون شخصياً ، كالكفالة ، وإما أن يكون عينياً ، كالرهن والاختصاص والامتياز .
959 – الحق في الحبس : وهناك وسيلة أخرى هي وسط بين الضمان العام والضمان الخاص ، هي الحق في الحبس .
960 – النصوص القانونية : نصت المادة 235من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
" لكل دائن ولو لم يكن حقه مستحق الأداء أن يستعمل باسم مدينه جميع حقوق هذا المدين ، إلا ما كان منها متصلاً بشخصه خاصة أو غير قابل للحجز . ولا يكون استعمال الدائن لحقوق مدينه مقبولاً إلا إذا أثبت أن المدين لم يستعمل هذه الحقوق ، وأن عدم استعماله لها من شأنه أن يسبب إعساره أو أن يزيد في هذا الإعسار . ولا يشترط إعذار المدين لاستعمال حقه ولكن يجب إدخاله في الدعوى " .
961 – شروط استعمال الدعوى غير المباشرة : يشترط لاستعمال الدعوى غير المباشرة شروط تتعلق بالدائن ، وأخرى تتعلق بالمدين ، وثالثة تتعلق بالحق الذي يستعمله الدائن .
969 – النصوص القانونية : نصت المادة 237من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
" لكل دائن أصبح حقه مستحق الأداء ، وصدر من مدينه تصرف ضار به أن يطلب عدم نفاذ هذا التصرف في حقه ، إذا كان التصرف قد انقص من حقوق المدين أو زاد في التزاماته وترتب عليه إعسار المدين أو الزيادة في إعساره ، وذلك متى توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة التالية " .
970 – شروط الدعوى البوليصية : يشترط في هذه الدعوى شروط تتعلق بالدائن ، وأخرى تتعلق بالمدين وتصرفه ، وثالثة تتعلق بالخلف الذي تلقي الحق من المدين .
977 – النصوص القانونية : نصت المادة 244من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
" 1 – إذا أبرم عقد صوري فلدائني المتعاقدين وللخلف الخاص ، متى كانوا حسني النية ، أن يتمسكوا بالعقد الصوري ، كما أن لهم أن يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذي أضر بهم .
2 – وإذا تعارضت مصالح ذوي الشأن ، ففضل بعضهم العقد الظاهر وفضل الآخرون العقد المستتر ، كانت الأفضلية للأولين " .
978 – أركان الصورية وشروط دعواها : الصورية تتطلب وجود عقدين : عقد ظاهر صوري ، وعقد مستتر حقيقي . ودعوى الصورية لا تتطلب شروطاً خاصة ، ويكفي أن يكون للدائن حق ثابت في ذمة مدينه ، وأن يكون له مصلحة في إثبات الصورية .
985 – النصوص القانونية : نصت المادة 246من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
" 1 – لكل من التزم بأداء شيء أن يمتنع عن الوفاء به ، مادام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام مترتب عليه بسبب التزام المدين ومرتبط به ، أو مادام الدائن لم يقم بتقديم تأمين كاف للوفاء بالتزامه هذا .
2 – ويكون ذلك بوجه خاص لحائز الشيء أو محرزه ، إذا هو أنفق عليه مصروفات ضرورية أو نافعة ، فإن له أن يمتنع عن رد هذا الشيء حتى يستوفي ما هو مستحق له ، إلا أن يكون الالتزام بالرد ناشئاً عن عمل غير مشروع " .
986 – شروط الحق في الحبس : يشترط في الحق في الحبس ثلاثة شروط :
```